التفكير النّظري عند الصّدر الثاني السّلبية والعُزلة أم المّبادرة والجهاد ؟
بقلم : الاستاذ محمد العتابي
تحتل هذه الثنائية مساحة مهمة في التفكير النظري عند الشهيد الصدّر الثاني . ويسعى أن يحدد التكليف الصحيح من هذا التقابل الفكري والعملي. ويسأل هل ان وظيفة المسلم هي السلبية والانعزال عن الأحداث، وعدم وجوب إعلان المعارضة ومحاولة تقويم المعوج من الأفراد والأوضاع؟ أم أنّ وظيفة الفرد المسلم في نظرية الإسلام هي العمل الاجتماعي الفعّال والجهاد الناجز في سبيل الله ضد الظلم والطغيان ؟
يُقسم السيد الشهيد الصدر (قدس سره) العمل الاجتماعي الإسلامي الى قسمين:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- الجهاد أو الدعوة الإسلامية.
فالجهاد يتضمن في مفهومه الواعي، العمل على ترسيخ أصل العقيدة الإسلامية، إما بنشرها ابتداء أو الوقوف الى جانبها دفاعاً.. بأي عمل حاول الفرد أو المجتمع الوصول الى هذه النتائج.. سواء كان عملاً سلمياً أو حربياً. وإن كان أوضح افراده وأكثرها عمقاً، هو الصدام المسلح بين المسلمين والآخرين.
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمجاله هو الإطار الإصلاحي للمجتمع المسلم، مع حفظ أصل عقيدته. ومحاولة حفظه عن الانحراف والتفكك وشيوع الفاحشة ونحو ذلك.
والجهاد، حسب تصور السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) ، منوط على طول الخط بوجود القائد الكبير الذي له قابلية في فرض الإسلام كقوة عظمى في العالم تتمكن من نشر العدل فيه. فما لم يتحقق ذلك لا يكون الجهاد واجباً، إلاّ فيما يكون من جهاد الدفاع. أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو «غير منوط بوجود القيادة الكبرى ولا الإخلاص. حيث نرى أنّه لا يحتاج القيام بهذه المهمة الإسلامية إلاّ الى معرفة الحكم الإسلامي مع احتمال إطاعة العاصي وتأثره بالقول. وأمّا حاجته الى تضحية مضاعفة أو وعي عال أو إخلاص ممحص، فغير موجودة.. وهذا واضح. بل أننا نستطيع أن نفهم من الشرط الذي أنيط به، وهو توقف وجوبه على عدم الخوف واحتمال الضرر.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج الى طليعة واعية تقوم به، وحسب تصور السيد محمد الصدر (قدس سره) فإن «عدداً مهماً من أفراد الأمة، في عصر التمحيص والامتحان، يجب عليهم القيام بهذه الوظيفة الاجتماعية الكبرى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. سواء كان التمحيص قد أنتج فيهم الإخلاص العالي أو لم يكن. وبذلك يحرز الإسلام ـ على الصعيد التشريعي على الأقل ـ حفظ المجتمع المسلم من الانحدار إلى مهاوي الرذيلة والضلال.
إن هذا العدد من أفراد الأمة يكونون ـ بمقتضى قانون التمحيص نفسه ـ واقفين على المحك الأساسي للتمحيص، من خلال قيامهم بهذه المهمة الإسلامية. فإن تركوها وأحجموا عنها، فقد فشلوا في الامتحان. وإن قاموا بها أوجب ذلك لهم تكامل الخبرة والتدريب والتربية، مما يسبب بدوره تحمل المسؤوليات الأكبر والأوسع، ويضعهم على طريق الإخلاص الممحص والوعي، في نهاية المطاف.
وأما إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البلاد الإسلامية.. فستبدأ بالانحدار من حيث الإخلاص والشعور بالمسؤولية، حيث ينتهي بها الحال أن تغزى في عقر دارها وتكون لقمة سائغة لكل طامع وغاصب. كما قال الإمام الرضا (عليه السلام( فيما روي عنه : لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم. ويتسبب ذلك أحياناً إلى وقوع المنطقة الإسلامية بيد القوات الكافرة المستعمرة، كما حصل في سوريا والان العراق .. فيعود الجهاد واجباً لاسترجاعها. فقد أصبح ترك الأمر بالمعروف سببا لوجوب الجهاد. ولكن تصبح العزلة واجبة عندما يكون ترك العمل الإسلامي واجبا والمبادرة إليه حراما وذلك في عدة حالات:
1- القيام بالجهاد الإسلامي بدون إذن الإمام أو القائد الإسلامي أو رئيس الدولة الإسلامية.
2- القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما إذا لم يكن يحتمل التأثير، وكان مستلزماً الضرر البليغ أو إلقاء النفس في التهلكة.
3- فيما إذا كانت العزلة أو السلبية تتضمن مفهوم المقاومة أو المعارضة أو الجهاد ضد وضع ظالم أو اساس منحرف فإنها تكون واجبة وجوب الجهاد نفسه، وتكون في واقعها عملاً اجتماعياً متكاملاً. ولكن ان تكون مخططاً مدروساً وطويل الأمد، يختلف باختلاف الظروف والأهداف المتوخاة من وراء هذه العزلة.
4- إذا خاف الفرد على نفسه الانحراف واحتمل اضطراره إلى الانزلاق تحت إغراء مصلحي أو ضغط ظالم، أو اتجاه عقائدي غير إسلامي، فإن على الفرد أن يعتزل العمل.
ويعتقد شهيدّنا الصدر أن على الفرد المسلم وهو يعيش في المجتمع المنحرف الظالم أن يتفاعل معه بالصورة التي تساهم في بناء شخصيته الإسلامية، وليس بالطريقة التي تحطم معنويته وتسحقه وتلفه في أمواج الانحراف. ومن أجل تحقيق هذا المكسب الإيجابي من خلال الظرف السلبي فإن على الفرد المسلم:
1- أخذ العبرة من الظلم عقائدياً وتطبيقياً، والنظر إليه كمثال سيئ يجب التجنب عنه والتحرز عن مجانسته.
2- اتضاح فساد الأطروحات المتعددة التي تدعي لنفسها قابلية قيادة العالم وإصلاحه، اتضاحاً حسياً مباشراً.
3- يترتب على هذا اليأس من الأطروحات السائدة، إدراك وجداني متزايد للحاجة الملحة العالمية الكبرى للحل الجديد والعادل الذي يكفل راحة البشرية وحل مشاكلها.
4- إدراك مميزات العدل الإسلامي والعمل الإسلامي والقيادة الإسلامية، عند مقارنة نقائه وخلوصه وشموله بالمبادئ المنحرفة والاتجاهات المادية، فيتعين أن يكون هو الحل العالمي المرتقب.
5- الدربة والتربية على الإقدام على التضحية في سبيل الحق.
ومع أن السيد الشهيد محمداً الصدر (قدس سره) يثبت أن الفرد المسلم المخلص هو ذلك الذي يندفع للعمل عندما يريد منه الإسلام الاندفاع إلى العمل ويعتزل حين يريد منه الإسلام الاعتزال. لكنه مع ذلك يثبت أيضاً أن العزلة حتى عند مطلوبيتها ينبغي عدم المبالغة في أثرها في إيجاد الاخلاص العالي والوعي العميق في نفس الفرد. فإن العزلة، على أي حال، تعني السلبية والانسحاب. والسلبية ـ في الأعم الأغلب ـ تعني الراحة والاستقرار.
من الواضح جداً أن الفرد لا يتكامل إخلاصه ووعيه الإسلامي إلا بالعمل والتضحية، ومواجهة الصعوبات، لا بالراحة والاستقرار.
و المراد من العزلة ليس هو الانصراف التام عن المجتمع والاعتكاف في الزوايا.. كيف وأن العمل الاجتماعي قد يكون واجباً في الإسلام، فتكون هذه العزلة من المحرمات.
بل المراد منها اعتزال العمل الاجتماعي غير الواجب أو العمل المحرم. والعزلة في موارد مطلوبيتها تشارك في المنهج العام للتخطيط الإلهي لإيجاد شرط الظهور، وعلى أي حال، فالاندفاع في أي من المسلكين: العمل والعزلة، إلى نهاية الشوط غير صحيح، وإنما الصحيح هو قصر السلوك على مقتضيات العدل ومتطلبات الإسلام، فإن كان العمل واجبا كان على الفرد أن يعمل، وإن كانت العزلة واجبة كان على الفرد أن يعتزل، ليكون بهذا السلوك ناجحا في التمحيص محققا في نفسه شرط الظهور.
تحتل هذه الثنائية مساحة مهمة في التفكير النظري عند الشهيد الصدّر الثاني . ويسعى أن يحدد التكليف الصحيح من هذا التقابل الفكري والعملي. ويسأل هل ان وظيفة المسلم هي السلبية والانعزال عن الأحداث، وعدم وجوب إعلان المعارضة ومحاولة تقويم المعوج من الأفراد والأوضاع؟ أم أنّ وظيفة الفرد المسلم في نظرية الإسلام هي العمل الاجتماعي الفعّال والجهاد الناجز في سبيل الله ضد الظلم والطغيان ؟
يُقسم السيد الشهيد الصدر (قدس سره) العمل الاجتماعي الإسلامي الى قسمين:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- الجهاد أو الدعوة الإسلامية.
فالجهاد يتضمن في مفهومه الواعي، العمل على ترسيخ أصل العقيدة الإسلامية، إما بنشرها ابتداء أو الوقوف الى جانبها دفاعاً.. بأي عمل حاول الفرد أو المجتمع الوصول الى هذه النتائج.. سواء كان عملاً سلمياً أو حربياً. وإن كان أوضح افراده وأكثرها عمقاً، هو الصدام المسلح بين المسلمين والآخرين.
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمجاله هو الإطار الإصلاحي للمجتمع المسلم، مع حفظ أصل عقيدته. ومحاولة حفظه عن الانحراف والتفكك وشيوع الفاحشة ونحو ذلك.
والجهاد، حسب تصور السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) ، منوط على طول الخط بوجود القائد الكبير الذي له قابلية في فرض الإسلام كقوة عظمى في العالم تتمكن من نشر العدل فيه. فما لم يتحقق ذلك لا يكون الجهاد واجباً، إلاّ فيما يكون من جهاد الدفاع. أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو «غير منوط بوجود القيادة الكبرى ولا الإخلاص. حيث نرى أنّه لا يحتاج القيام بهذه المهمة الإسلامية إلاّ الى معرفة الحكم الإسلامي مع احتمال إطاعة العاصي وتأثره بالقول. وأمّا حاجته الى تضحية مضاعفة أو وعي عال أو إخلاص ممحص، فغير موجودة.. وهذا واضح. بل أننا نستطيع أن نفهم من الشرط الذي أنيط به، وهو توقف وجوبه على عدم الخوف واحتمال الضرر.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج الى طليعة واعية تقوم به، وحسب تصور السيد محمد الصدر (قدس سره) فإن «عدداً مهماً من أفراد الأمة، في عصر التمحيص والامتحان، يجب عليهم القيام بهذه الوظيفة الاجتماعية الكبرى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. سواء كان التمحيص قد أنتج فيهم الإخلاص العالي أو لم يكن. وبذلك يحرز الإسلام ـ على الصعيد التشريعي على الأقل ـ حفظ المجتمع المسلم من الانحدار إلى مهاوي الرذيلة والضلال.
إن هذا العدد من أفراد الأمة يكونون ـ بمقتضى قانون التمحيص نفسه ـ واقفين على المحك الأساسي للتمحيص، من خلال قيامهم بهذه المهمة الإسلامية. فإن تركوها وأحجموا عنها، فقد فشلوا في الامتحان. وإن قاموا بها أوجب ذلك لهم تكامل الخبرة والتدريب والتربية، مما يسبب بدوره تحمل المسؤوليات الأكبر والأوسع، ويضعهم على طريق الإخلاص الممحص والوعي، في نهاية المطاف.
وأما إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البلاد الإسلامية.. فستبدأ بالانحدار من حيث الإخلاص والشعور بالمسؤولية، حيث ينتهي بها الحال أن تغزى في عقر دارها وتكون لقمة سائغة لكل طامع وغاصب. كما قال الإمام الرضا (عليه السلام( فيما روي عنه : لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم. ويتسبب ذلك أحياناً إلى وقوع المنطقة الإسلامية بيد القوات الكافرة المستعمرة، كما حصل في سوريا والان العراق .. فيعود الجهاد واجباً لاسترجاعها. فقد أصبح ترك الأمر بالمعروف سببا لوجوب الجهاد. ولكن تصبح العزلة واجبة عندما يكون ترك العمل الإسلامي واجبا والمبادرة إليه حراما وذلك في عدة حالات:
1- القيام بالجهاد الإسلامي بدون إذن الإمام أو القائد الإسلامي أو رئيس الدولة الإسلامية.
2- القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما إذا لم يكن يحتمل التأثير، وكان مستلزماً الضرر البليغ أو إلقاء النفس في التهلكة.
3- فيما إذا كانت العزلة أو السلبية تتضمن مفهوم المقاومة أو المعارضة أو الجهاد ضد وضع ظالم أو اساس منحرف فإنها تكون واجبة وجوب الجهاد نفسه، وتكون في واقعها عملاً اجتماعياً متكاملاً. ولكن ان تكون مخططاً مدروساً وطويل الأمد، يختلف باختلاف الظروف والأهداف المتوخاة من وراء هذه العزلة.
4- إذا خاف الفرد على نفسه الانحراف واحتمل اضطراره إلى الانزلاق تحت إغراء مصلحي أو ضغط ظالم، أو اتجاه عقائدي غير إسلامي، فإن على الفرد أن يعتزل العمل.
ويعتقد شهيدّنا الصدر أن على الفرد المسلم وهو يعيش في المجتمع المنحرف الظالم أن يتفاعل معه بالصورة التي تساهم في بناء شخصيته الإسلامية، وليس بالطريقة التي تحطم معنويته وتسحقه وتلفه في أمواج الانحراف. ومن أجل تحقيق هذا المكسب الإيجابي من خلال الظرف السلبي فإن على الفرد المسلم:
1- أخذ العبرة من الظلم عقائدياً وتطبيقياً، والنظر إليه كمثال سيئ يجب التجنب عنه والتحرز عن مجانسته.
2- اتضاح فساد الأطروحات المتعددة التي تدعي لنفسها قابلية قيادة العالم وإصلاحه، اتضاحاً حسياً مباشراً.
3- يترتب على هذا اليأس من الأطروحات السائدة، إدراك وجداني متزايد للحاجة الملحة العالمية الكبرى للحل الجديد والعادل الذي يكفل راحة البشرية وحل مشاكلها.
4- إدراك مميزات العدل الإسلامي والعمل الإسلامي والقيادة الإسلامية، عند مقارنة نقائه وخلوصه وشموله بالمبادئ المنحرفة والاتجاهات المادية، فيتعين أن يكون هو الحل العالمي المرتقب.
5- الدربة والتربية على الإقدام على التضحية في سبيل الحق.
ومع أن السيد الشهيد محمداً الصدر (قدس سره) يثبت أن الفرد المسلم المخلص هو ذلك الذي يندفع للعمل عندما يريد منه الإسلام الاندفاع إلى العمل ويعتزل حين يريد منه الإسلام الاعتزال. لكنه مع ذلك يثبت أيضاً أن العزلة حتى عند مطلوبيتها ينبغي عدم المبالغة في أثرها في إيجاد الاخلاص العالي والوعي العميق في نفس الفرد. فإن العزلة، على أي حال، تعني السلبية والانسحاب. والسلبية ـ في الأعم الأغلب ـ تعني الراحة والاستقرار.
من الواضح جداً أن الفرد لا يتكامل إخلاصه ووعيه الإسلامي إلا بالعمل والتضحية، ومواجهة الصعوبات، لا بالراحة والاستقرار.
و المراد من العزلة ليس هو الانصراف التام عن المجتمع والاعتكاف في الزوايا.. كيف وأن العمل الاجتماعي قد يكون واجباً في الإسلام، فتكون هذه العزلة من المحرمات.
بل المراد منها اعتزال العمل الاجتماعي غير الواجب أو العمل المحرم. والعزلة في موارد مطلوبيتها تشارك في المنهج العام للتخطيط الإلهي لإيجاد شرط الظهور، وعلى أي حال، فالاندفاع في أي من المسلكين: العمل والعزلة، إلى نهاية الشوط غير صحيح، وإنما الصحيح هو قصر السلوك على مقتضيات العدل ومتطلبات الإسلام، فإن كان العمل واجبا كان على الفرد أن يعمل، وإن كانت العزلة واجبة كان على الفرد أن يعتزل، ليكون بهذا السلوك ناجحا في التمحيص محققا في نفسه شرط الظهور.